بقلم: نزهة أبو غوش

تأتي رواية “النهار بعد ألف ليل” في سياق الأدب الفلسطينيّ المقاوم، حيث يسعى الكاتب د. محمد هيبي إلى استكشاف معاناة الإنسان الفلسطينيّ في ظلّ الاحتلال والتشريد، مع تقديم رؤية أعمق للصراع تتجاوز المباشرة السياسيّة إلى مستويات إنسانيّة وفكريّة أكثر تعقيدًا.

البنية السردية واللغة:

يعتمد الكاتب في الرواية على بناء سرديّ متماسك، يمزج بين السرد الواقعي والتاريخيّ والتأمليّ، ما يجعل النص متعدد الأبعاد. اللغة المستخدمة تحمل طابعًا شعريًا في بعض المواضع، وتعتمد على التوصيف الدقيق للمكان والشخصيّات، ما يمنح القارئ فرصة للاندماج في أجواء الرواية واستشعار تفاصيلها بعمق.

الشخصيّات والصراع الداخلي:

تتميّز شخصيّات الرواية بكونها ليست مجرد رموز للصراع، بل تعكس حالات إنسانية معقّدة. فالبطل، الذي يتنقّل بين الذكريات والواقع، يعاني من أزمة وجوديّة تتجاوز البعد السياسيّ إلى صراع مع الهويّة والانتماء. كما أنّ الشخصيّات الثانويّة تلعب دورًا مهمًا في إبراز التحوّلات الاجتماعيّة والفكريّة داخل المجتمع الفلسطينيّ، حيث تتجلّى المقاومة بأشكال مختلفة، سواء عبر المواجهة المباشرة أو من خلال التشبّث بالحياة والهويّة.

التقنيّات السرديّة والزمن الروائي:

تعتمد الرواية على تقنيّات سرديّة حديثة، منها التداخل بين الأزمنة، حيث يتمّ الانتقال بين الماضي والحاضر بطريقة تعكس تشظّي الذاكرة الفلسطينيّة وما تحمله من جراح عميقة. كما يستخدم الكاتب الاسترجاع الفني (Flashback) لإعادة بناء الأحداث وربطها بالواقع الراهن، مما يمنح الرواية طابعًا ديناميكيًا.

الدلالات الفكريّة والرمزيّة:

تحمل الرواية دلالات رمزية قوية، حيث لا يقتصر النهار الذي يأتي بعد ألف ليل على مجرد الخروج من الاحتلال، بل يشير إلى النضال الطويل لتحقيق العدالة والحرية. يستخدم الكاتب الرموز والمجازات لإبراز معانٍ أعمق تتعلّق بالمصير الفلسطينيّ، ما يجعل الرواية نصًا مفتوحًا للتأويل، حيث يمكن قراءتها من زوايا متعدّدة، سواء كعمل سياسيّ، أو فلسفيّ، أو إنساني.

الرؤية المستقبليّة والبعد الإنساني:

على الرغم من المآسي التي تتناولها الرواية، فإنّها تحمل في طيّاتها رؤية مستقبليّة متفائلة، تؤكد أن المقاومة ليست مجرّد فعل سياسيّ، بل هي صيرورة إنسانية تسعى نحو الأمل والحياة. يتجلّى هذا في شخصيات الرواية التي رغم معاناتها لا تزال متشبّثة بحلم التحرّر، مما يعكس فلسفة المقاومة كحالة مستمرّة وليست مجرد ردّ فعل آني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *