قراءة في رواية “نجمة النمر الأبيض” للكاتب د. محمد هيبي
بتاريخ 21.09.2016، على أرض الدامون المهجّرَة، أحيت غدير عزّات بقاعي مراسيم حفل زواجها لتحقق حلمها بالعودة! أعادت الحياة إلى الدامون، حققت حلمها بالزواج على أرضها التي اشتاقت الفرح، وحازت بجدارة على لقب “عروس العودة“. كان لغدير أن تحدّثت عن ما رافق إصرارها لتتزوج في الدامون خلال أمسية إشهار رواية “نجمة النمر الأبيض” للكاتب د. محمد هيبي في نادي حيفا الثقافي.
تحتوي رواية“نجمة النمر الأبيض” على 368 صفحة وغلافها من تصميم إميل هيبي): “ما زلتُ اعتقد حتّى اللحظة أن ما حدث ليلة عرسي مجرّد حلم !! هو فعلًا كان أحد أحلامي أن أُحيي هذه الأرض التي لم تشهد فرحًا منذ عام 1948 … عُدنا لأرضنا في الدامون، رغما عن أنف كل من لا يروقه تحقيق هذا الحلم، من السلطة وغيرها، لم أتخيّل فرحي يومًا سوى على هذه الأرض، ولا أخفي عنكم مشاعري الجيّاشة وشعوري بالنشوة تجاه ما حدث تلك الليلة تحديدًا. أن تُعيد شيئًا قد خسرته رغمًا عنك في الماضي وتشعر بانتصار الفرح على الذلّ والاضطهاد، الفرح أن تفرح مع الناس التي تحبّ وبالزمان الذي تًحبّ والمكان الذي تُحبّ“.
بدايةً بعنوان الرواية المستوحى من رواية “جبل الروح” للكاتب الصيني الحائز على جائزة نوبل جاو زينج جيان حيث تعني النجمة تلك المرأة التي لا يُقاوَم سحرها فيهذي محمد الأفعم – بطل الرواية – حين شاهد فتاة أحلامه سلوى: “لو كنت جالسًا الآن، بين يدي عجوز صينيّة تقرأ لي كفّي وطالعي، أو فنجان قهوتي، لقالت لي :”لقد قابلت نجمة النمر الأبيض” (ص 117).
يهدي د. هيبي روايته إلى ملهمته، امتداده وبطلهِ الأعفم، الإنسان العربي الفلسطيني المشرّد، في الوطن والمنافي، تسكنه “المنارة” ويحملها جيلا بعد جيل، في قلبه وعلى كاهله، حيثما كان، وحيثما هو الآن، وحيثما سيكون في لاحق الزمان. هي في قلبه وروحه وكيانه، كقدس أقداسه، سيحملها حتى يُعيدها إلى الزمان، وإلى المكان الذي كان، أو يحملها إلى آخر الزمان…” والمنارة هي حكاية من اقتلع من وطنه، وحلم محمّد الأعفم بالوطن الذي كان وسيبقى وسيعود حتمًا.
الفقد والغياب هو سيّد الموقف ويطغى على الرواية وشخصيّاتها، على أحداثها وقصصها وقضاياها المتداخلة، المتشعبّة والمتشابكة. يتناول التهجير والتشريد وحلم العودة الحاضر في كل خطوة من خطاه ويستحوذه ليصبح شغله الشاغل.
ضمن القضايا التي تتناولها الرواية ويُقحمها الكاتب، والتي يصلح لها النص السردي المفتوح وتنقصها الحبكة الروائية، نجد قضيّة تعويله على الدول العربيّة، ووقوف قادتها موقف المتفرّج حيال اغتصاب فلسطين: “والإخوة الأعداء، يُمسكون ذراعي أختهم، يثبّتون كتفيها، ويرفعون رجليها مفتوحتين ويصرخون لدمائها: (إنّه يغتصبها، إنّه يغتصبها!!!) ولا شيء غير الصّراخ العاهر، وما أدراك ما يختبئ خلف الصّراخ العاهر!!!”(ص123) مستثنيًا الريّس، جمال عبد النّاصر، الّذي دأب دون غيره من الزعماء العرب، على حلّ قضيّة الشّعب الفلسطينيّ، فغيّبه الموت.”كان موته هزيمة فاقت النّكبة والنّكسة وكلّ الهزائم” (ص289)، مما أبعد طريق العودة إلى المنارة.
كذلك الأمر بالنسبة لرجال الدين وسلوكيّاتهم، وإتاحة فرصة الحج أمام الرّاغبين من عرب الدّاخل، وحملة “البيت في خطر” بقصد إبعاد الناس عن السياسة، عن الطريق للمنارة … والعودة ؟
قضية أخرى يتناولها تتعلّق بممارسات السلطة ضدّ العرب من ملاحقات متواصلة وشلّ حركتهم، مصادرة أراضيهم واقتلاعهم من بيوتهم وقراهم.
وحقنا بهذه الأرض ودحض الرواية الصهيونية بواسطة صورة كوشان الطابو وإيصال روايتنا الشفويّة للقاصي والداني وتصوير حياتنا وتوثيقها لحفظ الذاكرة الجمعية “تحمل هويتنا وتراثنا الأدبي والفكري، وتاريخنا، وكل ما نرغب في نقله إلى أولادنا وأحفادنا، إلى أجيالنا القادمة” (ص 56) كخطوة في طريق تحقيق حلم العودة، عبر خلق جيل “نضمن لهم وعيا قادرًا على التمييز والغربلة والتنخيل، لمواجهتهم به، ما عجزنا نحن عن مواجهته” (ص 57).
لم يفعل بطل الرواية الكثير لتحقيق الحلم واستعادة منارته، كما فعلت غدير بقاعي! وهنا أتساءل: هل هي سيرة ذاتية للكاتب أم لشعبنا؟
بعد النكبة شاع مفهوم “الأدب الملتزم” وبرز شعراؤنا وكتّابنا أمثال حنا أبو حنا، توفيق زياد، سالم جبران، غسان كنفاني، محمود درويش، سميح القاسم وغيرهم وشعرهم ألهب جماهيرنا وعبّأها، كان الشعلة لإكمال المسيرة والبقاء وإبداعهم كان سببًا لتَمركُزِ شعرهم في مقدمة الشعر العربي والعالمي لأنه تحدّث عن القضية الفلسطينية ونجح في إيقاظ الجوانب الإنسانيّة الرّاقية في كلّ قارئ، ولكن آن الأوان لنتجرّأ ونخرج من حضنهم الدافئ القاتل.كفانا أدبا شعاراتيّا نمطيّا مباشرًا، د. هيبي، كغيره، وقع في فخ النمطيّة وغرّد داخل السرب ليكتب روايةً شعاراتيّة ومباشرة بامتياز، رغم جماليتها اللغوية التي تشكّل بطاقة عبورها.
وُفّقَ د. هيبي باستعماله للغة المحكيّة المحلّيّة لإيصال رسالته وكذلك عندما تحوّل إلى لغة الرومانسيّة ليصوّر تجربته الجنسيّة مع زميلته المحاضرة الجامعيّة حين تقول: “خذني، خذني كما لم يأخذ رجل امرأة من قبل، خذ منّي روحي إن شئت، خذ شموخ أنوثتي وجنونها، اقطف عناقيد كرزي وأكواز رمّاني، ولا ترحم تمرّد نهديّ وثورة بركاني.ودعني آخذ منك ما أريد، ما تتوق إليه روحي، ويشتهيه جسدي ونفسي“(ص 270).
ذكر الكاتب كلمة “المنارة” 429 مرة!!! عبر صفحات الرواية بتكرار محبط ولو جاء ذكرها مرّة واحدة فقط لكان وقعها وأثرها أكبر بكثير، فكان يكفيها ما جاء في صفحة 365 “في تلك اللحظة، اهتزت حجارة المنارة، تنفّست أرضها، تفتّحت بنفسجاتها من جديد، صارت حجارتها تشهق فاتحة ذراعيها نحو القمر، تراه يقترب، تتوسّل إليه أن يُعانقها ويلفّ حرارة أنفاسها بعباءته البيضاء، ريثما تشرق في ربوعها شمس يوم جديد…”.